سد النهضة (الجزء الخامس)
الملف واحد و القضية واحدة
( سد النهضة و ما يحدث في فلسطين )
بدايةً .. أُذَكِّرُكُمْ أن كل ما نكتبه عن سد النهضة إما أن يكون معلومةً موثوقةً و موَثَّقَةً ، أو تحليلًا لمعلومةٍ أو عددٍ من المعلومات و الشواهد ؛
و كل المعلومات مهما كانت صحيحة و موثقة إلا أنها تظل مرهونة بأي تطور أو تغير أو تعديل قد يطرأ حسبما يقتضيه الحال أو تُحَتِّمُهُ الأولويات .
هذا التطور أو التغير أو التعديل لا يعني بالضرورة خطأ المعلومة و لا خطأ التحليل ، خاصة عندما تكون القضية بحجم و اتساع و تشعب و تعقيد قضية سد النهضة .
سبق أن أكدنا أن مصر تخوض حربًا شرسة في هذا الملف ، و سبق أن طرحنا سؤالًا و إجابة في البند الثامن من الجزء الرابع من سلسلة مقالات سد النهضة و سأنسخ هذا البند كما هو :
{ ٨_ س : هل هناك احتمال لحلول أخرى غير تدخل أميركا ؟
ج : نعم هناك احتمالات كثيرة واردة لأن القضية رغم كبرها إلا أنها أكبر من مجرد ثلاث دول يتنازعون على مياه نهر النيل الأزرق ، لكن كل احتمال يبدو أمامنا سنطرحه على حِدَة في الوقت المناسب }
ما الجديد في هذا الملف ؟
( الجديد كثير و قد توقعت بعضه في الجزء الرابع و أرجو مراجعته )
الجديد في نقاط :
١_ أميركا ناقشت آخر التقارير الخاصة بالقضية و قررت التدخل .
٢_ إثيوبيا ماضية في تَعلِيَة الحاجز الخراساني الخاص بالمَلء الثاني .
٣_ أميركا أرسلت مبعوثها المخضرم ( جيفري فيلتمان ) إلى القرن الأفريقي .
٤_ حتى الآن لم نرى عرضًا مرضيًا لنا ، فكل الكلام مضيعة للوقت .
٥_ حتى الآن لم يبدأ الملء الثاني .
٦_ بدأت مشكلة الأقصى و غزة في نفس التوقيت لإشغال العالم عن قضية سد النهضة .
٧_ مصر رغم انشغالها بحال إخواننا الفلسطينيين و عمقنا الاستراتيجي الأهم إلا أنها لم تغفل أو تتوانى عن قضية السد ، و حتى لو شغلونا بألف قضية في آن واحد فلكل قضية إدارتها المختصة بها ، و لدينا القدرة على إدارتها جميعًا و الربط بين ما يتصل منها ببعضه .
٨_ مصر قادرة على قلب السحر على الساحر .. و لكم في غزة عبرة .
٩_ مصر لَمَّا رصدت لغزة ٥٠٠ مليون دولار لإعمارها تعرف ماذا تفعل لأجل غزة و فلسطين كلها و لأجل مصر أيضًا ، و لا يمكن الخوض في التفاصيل أكثر من ذلك .
١٠_ الحرب الآن في مرحلة : ( من يستطيع الضغط بقوة أكثر ليضعف الآخر و يستنزف قدراته ، و من يستطيع دفع الآخر إلى مستنقع يبعده عن بحيرته )
١١_ الغالبية حائرون و مندهشون من تصريحات السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري ( أسد الدبلوماسية ) و أنا على العكس بل و أوصى بعدم الاهتزاز أو الإحباط ، بل أطلب من الجميع الثقة أكثر في كفاءة و ذكاء و دهاء المنظومة و الإدارة المصرية كلها . لكن لا أحد يستطيع التصريح و الإفصاح أكثر من ذلك ، و في نفس الوقت لا أُجزم بشيءٍ و لا أوحي بأننا نقوم بخداع استراتيجي لمفاجأة العالم بضرب السد ، فهذا كلام ساذج غير مسؤول و غير احترافيّ و غير قانوني حتى ، لأن السد و ما حوله منطقة مدنية داخل حدود دولة أخرى ، و لذلك لو قررنا ضرب السد لابد من الإعلان عن ذلك بكل وضوح قبل ضربه بوقت كافٍ لكي نعطي مهلة لإخلاء منطقته و ما حولها من العاملين فيه و المقيمين حوله لمسافات يتم تحديدها ، و إلا نقع في قضية قانونية دولية أممية ( وقع فيها العراق قبلنا ) ، و نكون قد أعطينا الشرعية الكافية لِكَيْدِ أعدائنا المتربصين بنا شرًّا و ما أكثرهم .
س : و كيف نفسر تصريحات السيد سامح شكري ؟
ج : بكل بساطة و هدوء .. سأجيب في نقاط :
١_ مازال الملء الثاني لم يبدأ ، و مازال أمامنا فرصة و لو قصيرة لإعطاء العالم كله الأدلة و البراهين و الحجج الكافية لاستنفاذ و استنزاف إثيوبيا لكل الفرص الدبلوماسية السلمية ( و هذا و الله ما أتمناه .. أن تستنفذ كل الفرص الدبلوماسية السلمية ) .
٢_ نحن نعلم و العالم كله يعلم أن الملء الثاني لن يؤثر علينا مائيًّا ، لكننا يجب أن نُعَلّي سقفَ مطالبنا ، و نخفض سقف الطرف الآخر . و المقصود هنا في تصريح سامح شكرى عن ( الإجراءات المحكمة في إدارة مواردنا ) هو أننا لدينا البديل الاستراتيجي خلف السد العالي و نستطيع إدارة هذا المخزون جيدًا إذا تطلب الأمر بعض الصبر و النفس الطويل ، و لن يستطيع أحدٌ الضغط علينا و خطفنا إلى مفاوضات فارغة أو اتفاق ملفق .
كل ما قاله سامح شكري لا يعني أكثر من كلام دبلوماسي عائم لا يؤكد شيئًا و لا ينفي شيئًا ، و هذا هو المطلوب الآن ، لكن الرأي العام المصري متعجل قليلًا و هذا حقه بلا شك .
٣_ بعد أن بدأت أميركا في الدعوة لبدء مفاوضات جادة للمرة الثانية ( مرة في عهد ترامب و انسحبت منها إثيوبيا في اللحظة الأخيرة و لم تحضر بعدما اتفقت على الحضور ) و ( هذه المرة في عهد بايدن و بمشاركة الاتحاد الأفريقي و بناء على رغبة إثيوبيا نفسها ) و واضح جدًا و مسبقًا عدم استجابة إثيوبيا و تعمدها إحباط هذه الفرصة الأخيرة أيضًا و التي يتم التجهيز لها حسب رغبتها )
٤_ أخيرًا تراجعت إثيوبيا و صرحت بعدم رغبتها في أي مفاوضات و أصرت على استكمال أعمال المَلْء الثاني ، فكان بعدها مباشرة تصريح سامح شكرى ( هذا التصريح العبقري ) بما يعني أننا لن نضرب السد و ننتظر المفاوضات ؛
و العبقرية هنا لأن الجميع ( و خاصة إثيوبيا و إسرائيل و أميركا و كل أعداء مصر ) توقعوا العكس ، توقعوا أننا سنقع في الفخ و نندفع بالتصريح بالضرب ليبدأوا هم حملة شعواء منظمة لإقناع العالم بأننا نحن الذين لم نصبر و لم ننتظر الفرصة الدبلوماسية السلمية الأخيرة و أننا دولة عدائية دموية تنتهك حرمة و سيادة دولة بريئة لا حول لها و لا قوة ( و سينسى العالم صبرنا عشر سنوات و سينسوا أننا بذلنا فيها كل ما يمكن من مفاوضات دبلوماسية سلمية ) و هذا لو حدث ستكون نتيجته إما اضطرارنا للتراجع و عدم ضرب السد ، أو ضربه و تقليب العالم كله علينا إرضاءً لأميركا و إسرائيل .
أما الآن و بعد أن صرح وزير الخارجية المصرية بما يعني سلميتنا و انتظارنا للمبادرة الأميركية و مفاوضاتها ( التي ترفضها إثيوبيا أصلًا و ستظل ترفضها ) فقد قدمنا للعالم الدليل و الحجة الأخيرة و المبرر الكافي و الشرعية الكافية لضرب هذا السد الذي لم يعد في ملفه مكانًا لأي مفاوضات دبلوماسية سلمية يسألنا عنها العالم يومًا . بل و ستتعمد أميركا الصمت بعد الضرب أو أضعف الإيمان ستشجب و تستنكر و كذلك العالم من ورائها .
أخيرًا .. تحدَّث أمس آبي أحمد الأحمق بكل غباء و عجرفة بما يسيء لأمريكا نفسها ، و اتهمها بالتدخل في الشؤون الداخلية لإثيوبيا و اتهمها بالمساس بكرامة إثيوبيا ، و لو أن هذا لن يغير من الموقف العدائي الأميركي ضد مصر و خاصة التيار اليسار و الحزب الديموقراطي و بايدن ، هذا الموقف الذي لأجله قد تتحمل أميركا كل وساخة و بهيمية إثيوبيا .
ملحوظة هامة :
كل ما ورد في هذا المقال .. بعضه مجرد معلومات إخبارية مبثوثة و منشورة و مُعلَنة مُسبقًا ، أو تحليل شخصي للأحداث المعلنة ، و لا أَدَّعِي علمي بشيء غير معلن مسبقًا ، و لا أضمن حدوث شيء لم يحدث ، و لا أضمن عدم حدوث شيء لم أذكره .
مجدي البكري نشر على الصفحة الشخصية 20 مايو 2021
للشاعر اللواء Magdy El Bakry
مجدي البكري
نشر على الصفحة الشخصية 20 مايو 2021
للشاعر اللواء Magdy El Bakry
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكرا لك على تعليقك في الموقع الرسمي للشاعر و الكاتب المصري د.عبدالغنى مصطفي عبدالغني (رحمه الله)